Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
26 septembre 2017 2 26 /09 /septembre /2017 11:09
Nacer Djabi

Nacer Djabi

استمعت مثل بعض الجزائريين الى رئيس الحكومة الجديد/ القديم، أحمد أويحيى وهو يقدم برنامج حكومته، الأسبوع الماضي، أمام البرلمان الجزائري. تقديم لم ينل اهتمام الكثير من النواب، كما بدا من خلال غيابهم عن الجلسة وكثرة الكلام الجانبي بينهم. 
لكن ما أثارني أكثر هو محتوى خطاب الرجل الذي اعتبر فيه أن حكومته قد حققت إنجازا كبيرا، بعد ان توصلت بفضل سياستها المالية الرشيدة إلى ضمان أجور الموظفين للشهور المقبلة. طالبا من الجزائريين ان يحمدوا الله، على نعمه الكثيرة بفضل الرئيس بوتفليقة، فقد أصبح في مقدور أبنائهم، الاستفادة من المطاعم المدرسية التي كانوا، حسب رأيه، لا يعرفونها قبل هذا الرئيس المعجزة. 


خطاب أقنعني، بأن طموحات الجزائريين في تقلص واضح مع مرور الوقت، ليس كأفراد، بل كمجتمع ونظام سياسي في المقام الأول، فقد ولىّ ذلك الزمن الذي كانت الجزائر، تقارن فيه طموحاتها بإسبانيا أو كوريا الجنوبية. وترفض فيه التنازل لكي تقارن نفسها، مع تونس أو المغرب أو حتى مصر. طموحات عبّر عنها الخطاب السياسي وحاولت تجسيدها الدولة الوطنية في مشاريع تنمية واستثمارات، آمن بها المواطن وتجند لتجسيدها كمشروع جماعي، لمدة عقدين على الأقل. إذا اكتفينا بمرحلة ما بعد الاستقلال وليس قبلها، حين تمكن الجزائريون من تجسيد طموح جماعي كبير، تمثل في استعادة استقلال بلدهم وضمان حريتهم.


لم تفشل فقط هذه المشاريع، بل تقلصت طموحات الجزائريين مع الوقت، فلم تعد المقارنة مع كوريا أو إسبانيا واردة ولا التجنيد حاضرا، بعد ان غابت المشاريع وفكك ما أنجز منها. مقابل هذا، اقترح على الجزائريين التوجه نحو «حياة أفضل» تعتمد على الإفراط في الاستهلاك. مباشرة بعد التخلص من الإرث البومديني المزعج، الذي لم يتحمل الجزائريون ونظامهم السياسي ونخبهم خاصة، عبء طموحاته الكبيرة إلا لوقت قصير. المفارقة ان هذا التوجه الجديد، تم الترويج له في وقت اقتربت فيه الدولة من حافة الإفلاس، بداية من النصف الثاني للثمانينيات. فكيف حصل هذا التحول وغابت فجأة طموحات الجزائريين، التي عوضت بأكل الموز وشرب «القازوز». عدة مستويات فكرية /سياسية وأخرى ديموغرافية، يمكن ان تفسر هذا التقهقر في طموحات الجزائريين، في تجسيد مشروع بناء جماعي، يتصف بالديمومة، يفتخرون به ويورثونه لأبنائهم.


ما هو ديموغرافي واضح جدا، فقد شاخت الطبقة السياسية الحاكمة، مع الوقت، فلم تعد تملك طموحات الشباب التي كانت لديها في بداية الاستقلال، هي التي استمرت على رأس المواقع السياسية. عقائديا كذلك تكلست الوطنية الجزائرية التي اعتمد عليها هذا الطموح كفكرة، فلم تعد تجند وانفض من حولها المجتمع، المكون من أغلبية من الشباب. عكس ما كان عليه الوضع في بداية ظهورها في عشرينيات القرن الماضي، عندما انفتحت على الفكر الإنساني ونهلت منه. وطنية أصبحت أكثر محافظة، بل رجعية مع الوقت، بعد ان تآكلت قيمها واستغلت كغطاء لتبرير ما لا يبرر من أساليب التسيير الذي أنجزته الدولة الوطنية، لمدة نصف قرن. فقد استهلكت الفكرة ولم تعد قادرة على التجديد والتجنيد.


أساليب التنشئة التي تبنتها المؤسسة التربوية والعائلة، ساهمت بدورها في التقليص من هذه الطموحات، لدرجة القضاء عليها في بعض الأحيان. فالتنشئة الاجتماعية لا تعترف إلا بالنجاح الفردي. وليس الجماعي الذي لا ترى نفسها مسؤوله عنه. وحتى هذا النجاح الفردي إن كان موجودا يحارب. فمجتمعاتنا، تخصصت تقريبا، في محاربة النجاح الفردي والتميز. فكل ما هو مطلوب، نوع من التساوي والتسطيح العام والغبي، قريب كقيمة من الثقافة المساواتية التي سادت جزائريا، في مجتمع، يصر على أننا كلنا، أبناء تسعة أشهر. تنشئة اجتماعية، تحث على النجاح الفردي والعائلي الضيق، لكنها لا تهتم بالشأن الوطني العام، ولًدت نزعة نجاح فردي قوية لا يقف امامها أي عائق أخلاقي أو ديني. فالمهم تحقيق النجاح المادي. فقد بين آخر سبر للآراء (يونيو 2017) في الجزائر أن 1% فقط، من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة، منخرطون في أحزاب سياسية. في مجتمع، يواجه تحديات سياسية كبرى، مازالت تنتظر الحل.
الفريق الوطني لكرة القدم، قد يكون أحسن مثال للتعبير عن مخرجات هذه التنشئة الاجتماعية، التي أنجزها المجتمع بمؤسساته كالمدرسة والأسرة. فالفريق مكون من فرديات دولية ممتازة، نجحت في الخارج غالبا، لكنها لا تكوُن فريقا وطنيا كبيرا. فالجزائري يمكن ان يكون ناجحا كفرد، خاصة إذا كان خارج الجزائر، لكنه لا يعرف كيف يكون ناجحا كجماعة في بلده، بعد أن ضاع منه حس بناء طموحات جماعية كبيرة، ليتحول إلى مستهلك لذكريات قديمة، يعود كل مرة للحديث عنها والتفاخر بها (ربحنا ألمانيا في 1982).


الاتجاه الى المبادرة الخاصة في الميدان الاقتصادي، بعد التخلص من الإرث الجماعي الاشتراكي بكل عيوبه، لم ينتج حالات نجاح وطموحات كبيرة في الميدان الاقتصادي، الذي بقي بعقلية الورشة، فلم تنتج التجربة المقاول صاحب المشروع الناجح والكبير، الذي ينتج ويصدر ويشغل الناس، إلا كاستثناء، بل أنتجت أكثر الغني والميسور، الذي يرفض مغادرة منطق المشروع العائلي، فكل طموح رجل الأعمال الجزائري لا يتعدى افراد عائلته وأصهاره وبعض أبناء قريته من الفقراء والمساكين، الذين يتصدق عليهم بالعمل عنده، أو بمناسبة الأعياد الدينية والوطنية. فليس المطلوب، خلق أنداد أقوياء ضمن مشروع جماعي كبير، بل فقراء للتصدق عليهم.


وضع يمكن تعميمه على المشاريع الثقافية، كالصحافة المستقلة التي انطلقت جرائدها، منذ ثلاثين سنة خلت، بأربع وعشرين صفحة، وقد تختفي كعناوين، بعدد الصفحات نفسه. فلا ملاحق ولا اسبوعيات ولا نشر متخصص. مع فشل في اللقاء الإيجابي، مع اللحظة الرقمية، ما قد يزيد من سرعة اختفائها. فقد تبين مع الوقت أنها كانت «مغامرة فكرية «، من دون طموح جماعي فعلي يسندها، اللًهم إلا تحسين الوضع المالي للمبادرين بالمشروع، كأشخاص. لنكون مرة أخرى أمام قاعدة النجاح الفردي، على حساب قيم العمل الجماعي الذي لم يعد يؤمن به الجزائري كثيرا. في وقت مازالت الجزائر في حاجة الى مشروع جماعي طموح ، يحافظ عليها كدولة وأمة، من دونه، تبقى مهددة وفي مهب الريح، كما هي وضعيتها الآن، بعد ان تأكد أن إعادة مشاهدة مقابلة الجزائر ضد المانيا التي ربحتها ذات مرة أو إعادة بث فيلم «معركة الجزائر»، لم يعودا كافيين، لتحفيز الجزائريين، لبناء مشروع وطني طموح.
 

ناصر جابي كاتب جزائري
Partager cet article
Repost0

commentaires

Présentation

  • : Blog de Kamal Guerroua
  • : Blog ayant pour intérêt la préparation au changement en Algérie
  • Contact

Recherche

Liens